محمد خواجوئي
الثلاثاء 2 أيلول 2025
تفعيل العقوبات منعطف في الطريق الوعر الذي يسلكه الملف النووي (أ ف ب)
طهران | تتّفق جميع التيارات السياسية والإعلامية في إيران، على اختلاف آرائها وقراءاتها، على أن تفعيل الدول الأوروبية المسار التنفيذي لعودة العقوبات الدولية على طهران، ليس بلحظة عادية، بل يمكن أن يشكّل منعطفاً في الطريق الوعر الذي يسلكه الملف النووي الإيراني، كما علاقات الجمهورية الإسلامية بالعالم.
ويَظهر ممّا تنشره الصحف الإيرانية، أن البلاد تقف عند مفترق طرق تاريخي؛ فمن جهة، تعلّق الصحف الحكومية وتلك الإصلاحية، الآمال على الدبلوماسية، وتعتبرها - وإنْ كانت مُكلفة - أقلّ خطراً من الدخول في مواجهة مباشرة. ومن جهة أخرى، تعتبر الصحف الأصولية، والقريبة من الأجهزة الأمنية، أن تفعيل «آلية الزناد» سيكون شاهداً على نهاية الاتفاق النووي ووفاة الدبلوماسية، معتصمةً بـ»المقاومة والصمود».
هكذا، تحوّلت الأيام الـ30 المقبلة، ليس في مجلس الأمن الدولي وحده، بل أيضاً داخل الأوساط السياسية والإعلامية في إيران، إلى عدّ تنازلي مرهق، يمكن أن ينطوي في كل يوم على معنى جديد للملفّ النووي ومستقبل البلاد. وفي هذا الإطار، سعت صحيفة «إيران» الحكومية، في مقالة للدبلوماسي السابق كوروش أحمدي، إلى إقامة توازن بين الخوف والرجاء. وبرأي أحمدي، فإن عودة عقوبات مجلس الأمن، «تعني دخول إيران في واحدة من أكثر فترات سياستها الخارجية كلفةً»، وإنْ أكد، في الوقت ذاته، أن ثمة فرصاً ما زالت قائمة لـ»إدارة الأزمة».
وعلى الرغم من أن خيارات من مِثل الانسحاب من «معاهدة منع الانتشار النووي» (NPT)، أو وقف التعاون مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، موضوعة على الطاولة، «لكنها تمثّل طريقاً مكلفاً ومحفوفاً بالمخاطر، لا يمكن أن يؤمّن المصالح القومية». وإيران، وفق الدبلوماسي، وجّهت في النهاية رسالة مفادها أنه «ما زالت هناك نافذة للتعاطي مع أوروبا وحتى أميركا. إن الجهاز الدبلوماسي لا ينوي إخلاء الساحة».
عودة عقوبات مجلس الأمن «تعني دخول إيران في واحدة من أكثر فترات سياستها الخارجية كلفةً»
في المقابل، رأت صحيفة «جوان»، القريبة من «الحرس الثوري»، أن على إيران أن تتخطّى «وهم الاتفاق النووي»، وتقيّد التعاون مع «الوكالة الدولية»، وحتى أن تدرس الانسحاب من «معاهدة منع الانتشار النووي»، كخيار جادّ؛ إذ اعتبرت أن الاتفاق النووي «قد انتهى أمره منذ سنوات، وما حدث اليوم، هو إقامة مجلس الحداد الرسمي عليه». كما اتّخذت صحيفة «جام جم»، بوصفها المعبّرة عن النهج الإعلامي لـ»هيئة الإذاعة والتلفزيون» الإيرانية، موقفاً أقرب إلى صحيفة «جوان». ففي مقالتَين بعنوان «اللعبة الأوروبية الحقيرة»، و»نهاية الرومانسية»، اتّهمت الصحيفة، أوروبا «بالتواطؤ التامّ مع أميركا»، معتبرةً أنه «يتعيّن على الحكومة نبذ أيّ تفاؤل مفرط بالطرف الغربي، وأن تركّز على تحييد العقوبات».
أمّا صحيفة «عالم الاقتصاد»، فقد سلّطت الضوء، في تقرير بعنوان «30 يوماً مع دبلوماسية الزناد»، على التبعات الاقتصادية لتفعيل «آلية الزناد»، ومن بينها: «انسداد القنوات المالية مجدّداً، والقيود المصرفية الدولية، والضغط المضاعف على صادرات النفط». وأشارت إلى أن «العقوبات الأميركية استطاعت بمفردها، خفض صادرات النفط الإيرانية إلى أدنى مستوياتها في العقدَين الأخيرين؛ فما بالك بالعقوبات الأممية إنْ أُعيدت مجدّداً، فلن تكون النتيجة سوى العزلة الاقتصادية التامّة». وتحدّثت الصحيفة عن سيناريوات مختلفة، بدءاً من «تمديد القرار الرقم 2231»، وصولاً إلى «الاتفاق المؤقّت»، غير أنها أطلقت تحذيراً واضحاً: «الاقتصاد الإيراني لن يحتمل الضغوط الجديدة، ما لم تكن هناك مبادرة دبلوماسية».
بدوره، قدّم الصحافي والمحلّل السياسي، عبد الرحمن فتح اللهي، في مقالة بعنوان «العدّ التنازلي السياسي» في صحيفة «شرق»، رؤية مختلفة حذّر فيها من أن تفعيل «آلية الزناد» يمكن أن يضع نهاية للحوار. وقال: «أوروبا قد سحبت الزناد، إلّا أن رصاصتها مُصوّبة في اتجاه الدبلوماسية»، مضيفاً: «على الرغم من أن إمكانية المناورة لا تزال متوفّرة بالنسبة إلى إيران، لكن يجب الإفادة من الفرص لإجراء محادثات مع الدول المحورية (بما فيها روسيا والصين وحتى بعض الشركاء الإقليميين) لكي لا يصل الملف النووي الايراني إلى نقطة اللاعودة». وحملت «شرق» في مقالتها نبرة تحذير، معتبرةً أنه «إذا اكتفت إيران بالموقف الدفاعي، فستكون الخاسرة في الساحة الدبلوماسية»، داعيةً واضعي السياسات، إلى الدخول إلى الساحة بـ»مبادرة» حتى لا تذهب الفترة الزمنية المتبقّية سدًى.
وكتبت صحيفة «فرهيختكان» القريبة من «التيار الأصولي» المعتدل، بدورها، في مقالها الافتتاحي، أن «زناد أوروبا هو اختبار للانسجام الداخلي أكثر من كونه تهديداً خارجياً»، مركّزةً خصوصاً على الآثار الداخلية، وليس التداعيات الدولية، إذ رأت أن «أيّ فجوة سياسية واجتماعية داخل البلاد، ستجعل أداة الضغط الغربية أكثر حدّة وتأثيراً»، مؤكّدةً أن «الردّ الإيراني يجب أن يتبلور على قاعدة الإجماع الداخلي والتماسك الوطني».